مدير عام الآثار والمتاحف في دمشق الدكتور محمود حمود لـ«البناء»: مواقعنا الأثرية عالمية  والعصابات الارهابية جاءت لتدمير تراثنا ونهب آثارنا وكنوزنا والقضاءعلى هويتنا  ا

0
17615

مدير عام الآثار والمتاحف في دمشق الدكتور محمود حمود لـ«البناء»: مواقعنا الأثرية عالمية
والعصابات الارهابية جاءت لتدمير تراثنا ونهب آثارنا وكنوزنا والقضاءعلى هويتنا
الحضارة السورية كلها واحدة في سورية والعراق بلاد الشام والرافدين وهي أرست أسس الحضارة الإنسانية.
___________________________________________

أنّ نجري حواراً صحافياً مع مدير عام الآثار والمتاحف في سورية الدكتور محمود حمود، معنى ذلك أننا سنتعرف على كل المواقع الأثرية، وقصص تعود لآلاف السنين، معه يحضر التاريخ وتتجلى الحضارة بأبهى صورها.

الدكتور حمود حاصل على شهادة دكتوراه في تاريخ الشرق القديم. وفي العام 1994 التحق بمديرية الآثار والمتاحف، وشغل منصب مدير آثار ريف دمشق، إلى أن أصبح مديراً عاماً للمتاحف والآثار.

لديه العديد من المؤلفات أبرزها «الممالك الآرامية»، «معابد منين»، «الديانة السورية القديمة بين عصري البرونز الحديث والحديد»، وأبحاث ودراسات عديدة تكشف وجوه الحضارة السورية.

«البناء» التقته وكان هذا الحوار:

الاكتشافات وقيمتها الحضارية والمعنوية

ـ شاركتم في بعثات تنقيب وطنية ومشتركة وترأستم بعضها، فإلى ماذا توصلت هذه البعثات؟

أعمل في مجال التنقيب منذ العام 1995، وشاركت مع العديد من البعثات التنقيبية الأجنبية، منها البعثة الأميركية الهولندية في تل «ام المرا» في منطقة الجبول وأيضاً عملت لخمسة مواسم فيها. وفي الوقت ذاته كنت أعمل مع البعثة اليابانية التي نقبت في «كهف الديدرية» في منطقة عفرين منذ 1995 وحتى عام 2000، وأيضاً عملنا في موقع «قطنة» في تل المشرفة شمال شرق حمص، والتي تعود إلى الألف الثانية قبل الميلاد.

بعد ذلك ذهبت ببعثة تدريبية إلى اليابان لأقل من سنة وتحملت مسؤولية مدير آثار ريف دمشق، وأصبحت رئيساً لعدد من البعثات الأثرية منها بعثة المسح الأثري، وبعثة عين منين في ريف دمشق، وبعثة التنقيب الأثري في جديدة يابوس، وبعثات التنقيب الطارئ في كل المحافظة، وبعثة تل حميرة في دير عطية والعديد من البعثات الأثرية والبعثة المشتركة مع الجانب الألماني في معلولا لعصور ما قبل التاريخ.

فعلياً أشرفت على كافة أعمال التنقيب الطارئة في دمشق. وهي محافظة واسعة مساحتها تزيد عن 17 ألف كم تمتد من الحدود السورية العراقية والأردنية شرقاً، وحتى الحدود اللبنانية والفلسطينية غرباً وجنوباً وبالتالي شكلنا بعثة مسح أثري، واستطعنا اكتشاف مئات المواقع التي لم تكن معروفة على الإطلاق. وكان هذا أهم ثمار عملي في دائرة آثار دمشق إضافة إلى الاكتشافات التي حققتها في كثير من المواقع، منها في داريا على سبيل المثال حيث اكتشفنا الكثير من الكنوز والمدافن الأثرية بمحتوياتها المليئة بالأواني الزجاجية والحلي. وهي في الحقيقة اكتشافات جداً مهمة وجميلة، ولا يتسع الوقت لذكر كل هذه الاكتشافات، إلا أنها اكتشافات مهمة جداً تعود إلى بداية الألف الثانية قبل الميلاد، وبعد ذلك عملنا في موسوعة الآثار وأصبحت رئيساً لموسوعة الآثار، وأصدرنا حتى الآن أربعة مجلدات، المجلد الرابع حتى الآن لم نعلن عنه وقد صدر منذ أيام، ضمن كوكبة من علماء الآثار والمختصين الذين يساهمون في إعداد هذا العمل. هذا الإنجاز العلمي مهم جداً للسوريين ولكل القراء ولكل مهتم بالتراث السوري.

ـ أصدرت كتاباً بعنوان: «معابد منين».. فماذا عن آثار عين منين؟

موقع عين منين يقع على بعد يقارب18 كليومتراً إلى الشمال من دمشق على طريق صيدنايا. وفي هذا الموقع توجد كهوف سُكنت خلال العصر الحجري الحديث، وسكن يعود إلى ما قبل الميلاد وآخر يعود إلى العصر الروماني خاصة والبيزنطي. وتوجد أيضاً معابد رومانية تعود إلى العصر الروماني هي معابد سورية طبعاً. السوريون هم الذين بنوها ولاحقاً تحوّلت هذه المعابد إلى أديرة مثل دير القديسة تقلا ودير مار تقلا خلال الفترة البيزنطية المسيحية.

بدأنا أعمال التنقيب في الموقع عام 1999، واستمرينا حتى بداية الحرب على سورية، وخلال نحو عشر سنوات توصلنا إلى اكتشافات مهمة جداً، ومعظم هذه الاكتشافات أصدرناها في كتاب «معابد منين» وهو يحتاج أيضاً إلى تحديث، فبعد إصدار هذا الكتاب كان هناك الكثير من أعمال التنقيب والنتائج الجيدة التي تجب اضافتها.

الممالك الآرامية السورية ودور الآراميين

ـ في كتابك «الممالك الآرامية السورية» تحدثت عن دور للآراميين لم يدم طويلاً.. ما هي الأسباب ولماذا؟

الآراميون هم أبناء هذه الأرض، هم قبائل كانت تجوب هذه البادية والصحراء بنهاية الألف الثانية قبل الميلاد وأنشأوا مدناً في بداية الألف الأول قبل الميلاد وبعض هذه المدن على سبيل المثال لا الحصر كانت موجودة قبل حماه لذلك دعيت آرام حماه.

المدن لم تكن موجودة وهم من أنشأها، وفي مواقع استراتيجية، أي على طرق تجارية أو قرب مواقع المواد الخام القريبة من الغابات ومن السهول إلى ما هنالك، مثل: بيت باخياني، بيت زماني. بمعنى أنه كان هناك انتقاء لهذه الأماكن، لذلك ازدهرت هذه الممالك وحققت نمواً اقتصادياً منقطع النظير، لكن هذه الممالك الآرامية لم تستطع أن تتوحّد بينها. لذلك أصبحت هدفاً لأطماع المحيطين وعرضة للاعتداءات التي أنهت سيادتها.

عندما كان يتعرّض الآراميون للتهديدات كانوا يتحالفون لمواجهتها، لكن بعد كل مواجهة ينفرط عقدهم. وانا أفسر في كتابي واقع «الممالك الآرامية السورية» وسبب عدم قيام وحدة بينهم رغم كل ما يجمعهم من أصل مشترك، لغة واحدة، عقيدة واحدة، علاقات اقتصادية، كلها عناصر تستدعي اندماجهم وتحقيق وحدتهم، ولكنهم لم يصلوا إلى هذه الوحدة وأنا أقول إن الطبيعة البدوية لا تتنازل عن عقليتها بمعنى أنها لا تقبل التخلي عن المكاسب في سبيل تحقيق الأهداف السامية العامة. لهذا السبب لم يستطيعوا أن يتوحّدوا رغم كل شيء، وأيضاً لا نستطيع أن نحكم بمعطيات هذا العصر وفي معاييره، لأنه خلال تلك الفترة كانت الدول دول مدن، شيخ عشيرة وشيخ قبيلة يؤسس دولة، ثم يؤسس مدينة في مكان معين هو وعشيرته وتصبح لها علاقات وتصبح لها ملكية ودبلوماسيين وإلى ما هنالك.. هذا هو سبب عدم وحدتهم.

ـ لكنهم استطاعوا أن يبنوا دوراً ثقافياً؟

نعم هذا صحيح.. هناك الكثير من المواقع تؤكد بأنهم بنوا حضارة عظيمة … وهي حضارة متوارثة، ومن هذه الحضارة موقع «تل حلف» الأثري قرب رأس العين في القامشلي، وموقع «عين دارا» الأثري.. وفي قلعة حلب، حيث يوجد معبد تحت القلعة يمثل الحضارة الآرامية والحثية يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد وظل يستخدم خلال الألف الثانية والأولى قبل الميلاد. أما في دمشق فكان معبد الإله أدد أو حدد أكبر الآلهة عند الآراميين ، وكان مكان الجامع الأموي الذي كان معبداً لجوبيتر قبل أن يكون كنيسة ثم أصبح جامعاً خلال الفترة الإسلامية، وبالتالي بنوا هناك منحوتات جميلة جداً في كل مكان في تل طعينات في لواء اسكندرون في تل خداتو القديمة تل أرسلنا طاش أيضاً منحوتات جميلة جداً. وهناك مملكة سمأل أو شمأل من الشمال تعود للآراميين.

التدمريون لغتهم لغة آرامية. وهذا يدل على أنهم من أصل هذه البلاد وليس كما يقولون أتوا من أماكن أخرى كما تصفهم بعض المراجع، هم من أصل هذه البلاد، والدليل على ذلك ثقافتهم ولغتهم التي انتشرت وأصبحت في نهاية القرن السادس وبداية القرن الخامس أو مع منتصف القرن السادس تقريباً قبل الميلاد أصبحت لغة عالمية مع الدولة الإخمينية عندما سيطرت على المنطقة، تمثلت هذه اللغة وأصبحت لغة الدولة، وهذه اللغة وصلت إلى الهند. والآن تكتشف كتابات ونقوش باللغة الآرامية في كثير من الدول في إيران، في جورجيا، في أرمينيا، في تركيا الحالية الأناضول. هذا يدل على انتشار هذه اللغة وانتشار هذه الثقافة وكانت لهم إنجازات رائعة وأنا أوجزتها وتكلمت عن الجانب الحضاري للآراميين الذين عاشوا في سورية.

ـ وصفت معبد عين دارا بأنه من أهم المعابد الآرامية، لماذا؟

معبد «عين دارا» هو في منطقة عفرين 7 كم في جنوب المنطقة وفي سهلها وعلى ضفة نهر عفرين تحديداً. وقد قامت بعثة سورية بأعمال التنقيب فيه واكتشف في البداية 52 تمثالاً من أسد بازلتي، وفي عام 1980م بدأت بعثة وطنية برئاسة د. علي أبو عساف أعمال التنقيب فيه حتى عام 1986 م واكتشفت المعبد العظيم. هذا المعبد الذي يظهر أنه بني خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد وبقي حتى 742 قبل الميلاد، حيث تعرّض للحرق وهذا ما أثر على منحوتاته وهو من الاكتشافات المهمة، إذ أنه يتألف من رواق أمامي يتقدمه درج ثم عتبات عليها طبعات أقدام لإنسان عملاق حوالي 97 سم طبعة القدم، كي ترشد الناس إلى كيفية الدخول من قاعة إلى أخرى، وفي الصدر الواجهة والمحراب، حيث يوضع تمثال الآلهة المعبودة أيضاً تحيط به أروقة إنه بناء جميل جداً.

للأسف تعرّض المعبد للقصف من قبل الطيران المعادي التركي، وتصلنا تقارير عن عمليات تنقيب غير شرعية في هذا الموقع. كما أن المواقع المحيطة بمنطقة عفرين غنية جداً بالآثار والتلال الأثرية التي تعود إلى مختلف العصور التاريخية، لا سيما كهف الديدرية في منطقة عفرين وهو قريب من عين دارا، وكل هذه المواقع تعرّضت للسرقة والنهب والتنقيبات المدمرة غير الشرعية التي يقوم بها العدوان التركي والعصابات التي جاءت من كل أنحاء العالم وجهات الأرض كي تدمر تراثنا وتنهب آثارنا وكنوزنا وتقضي على هويتنا.

ـ هل هناك إمكانية في المستقبل لترميم هذا المعبد لكونه من البازلت؟

هذا أمر صعب، فقد دُمِر ما لا يقل عن خمسين إلى ستين في المئة منه، والمنحوتات جميلة ولكن وضعها هش، وبالتالي تصعب إعادته إلى ما كان عليه. والموقع الآن تحت الاحتلال ما يعيق قيامنا بأعمال الترميم المطلوبة خصوصاً لجهة جمع البقايا المتشظية من المنحوتات. وبكل بساطة إذا لم تحفظ هذه البقايا ولم توثق بشكل صحيح، فلا فائدة منها. مع الإشارة إلى أن الآثار السورية كلها مؤرشفة، وموثقة، ولدينا وثائق وصور لكل المعابد الأثرية.

ـ يلاحظ استخدامك لتسمية الفينيقيين كنعانيي الساحل السوري ومعلوم أن التسمية الفينيقية هي تسمية يونانية يمكن أن تستخدم أو تعتمد في الكتب العلمية كمصطلح علمي؟

أين المشكلة في ذلك.. الفينيق من الفينيكس كانوا يعملون بالصبغة.. الآراميون والفينيقيون شعب واحد بلهجات مختلفة، هؤلاء سكان الداخل أسموهم آراميين الساحل أو الفينيقيين لماذا هم سوريون لأنهم يفهمون على بعض يتعاملون مع بعض.. اليونان أسموهم فينيقيين فقط.

ـ الآموريون الكنعانيون الآراميون برأيكم هل هم تشكل محلي في المشرق أم مهاجرون؟

هناك تواصل حضاري في المنطقة لم ينقطع عبر آلاف السنين، فالسكن في محيط دمشق موجود منذ الألف الثامنة ق.م وفي الألف السابعة والسادسة والخامسة والرابعة والثالثة والثانية.. لماذا نقول هؤلاء جاءوا من الخارج؟

الآموريون والكنعانيون والآراميون هم أبناء هذه البلاد، جنوباً وشرقاً وشمالاً وغرباً، أسسوا الممالك والمدن، وبغض النظر عن كلمة تشكل محلي، دعينا نعطها معنى أشمل.. فبلادنا بلاد التفاعل، وكل من أتى إليها بالهجرات سلماً، لو أتى من آخر بقاع الأرض أصبح سورياً، وهذا ما يميز بلادنا، لأنها ومنذ آلاف السنوات تشكل موزاييك فسيفساء.

الإرهابيون التكفيريون يريدون فرض عقيدة معينة، وضرب النسيج الاجتماعي، وهذا إن حصل، تتحول بلادنا الى صحراء مثل الخليج.

تدمر ملتقى الكون تجارياً وثقافياً ورسالة توحّد العالم عبر الأجيال

ـ من المعلوم أن مدينة تدمر التاريخية 60 منها تحت الأرض، الآن، جاء «داعش» فهدم ما هدم وخرّب ما خرب، هل لكم أن تحدثونا عما حصل في تدمر؟

مساحة الآثار في تدمر تصل الى عشرة كيلومترات مربعة تحت الأرض، وأعمال التنقيب شملت نحو 30 أو 40 بالمئة من هذه المساحة. لقد تم تدمير الكثير من الأبنية فوق الأرض ومنها معبد «بل» الجميل الذي يتميز بمنحوتاته، وأيضاً معبد «بعل شمين» و»قوس النصر» وهناك العديد من الأبراج والمدافن البرجية المؤلفة من أربعة طوابق أو خمسة طوابق وكل مدفن فيه حوالي مئة قبر أحياناً وفيها منحوتات وفيها رسوم جدارية. وهناك أيضاً معابد تحت الأرض تعرضت منحوتاتها للنهب، والمتحف الوطني في تدمر تعرض لسرقة الكثير من المحتويات ومن أهمها الحلي والمجوهرات والتماثيل. وهناك منحوتات تعرضت للتكسير والتحطيم على أيدي العصابات الإرهابية، ومنها «أسد اللات» الذي كان في الحديقة، وهو من أهم المنحوتات، بارتفاع ثلاثة أمتار ونصف وبوزن خمسة عشر طناً وقد تمّ تحطيمه. وعند تحرير تدمر في المرة الأولى استطاع الزملاء في المديرية العامة للآثار والمتاحف المجيء به وترميمه بمساعدة علماء وفنانين بولونيين من الذين ساهموا بترميمه سابقاً طبعاً وهو كان نتاج بعثة بولونية نقبت في الموقع واكتشفته في عام 1976 م. وهناك أعمال تنقيب كبيرة غير شرعية طبعاً في تدمر أثناء سيطرة الجماعات الإرهابية عليها.

تدمر تحتاج إلى جهود كبيرة وحثيثة وأموال ودعم كبير في سبيل إعادة ترميم ما يمكن ترميمه، أما معبد «بل» فمهما أعدنا منه فلا يمكن أن نعيد إلا ثلاثين بالمئة، لأن معظم الحجارة والمنحوتات تحولت بودرة ورماداً.

ـ وماذا أعدنا من تدمر إلى الآن؟

أعدنا حوالي أربعمئة منحوتة أثرية موجودة في المتحف الوطني بدمشق ومازالت ورشات الترميم تقوم بترميم هذه المنحوتات إلى الآن.

ـ وماذا عن افتتاح المتحف الوطني في دمشق؟

افتتحنا المتحف الكلاسيكي وهو الأهم، وافتتحنا قاعة الشرق القديم في الطابق الأعلى، والعصور ما قبل التاريخ والإسلامية، ولكن هذه البداية، المتحف يحتاج إلى أعمال ترميم وإلى تمويل ونعمل على ترميم القسم الآخر وإعادة تأهيله ليكون المتحف برمّته مفتوحاً، وافتتاحه رسالة قوية جداً تعبر عن انتصار الحق على الباطل انتصار الخير على الشر وبمواكبة الانتصارات التي يحققها جيشنا في كل الميادين. وهذه رسالة ثقافية إلى كل أنحاء العالم أننا انتصرنا والدليل افتتاح المتحف الوطني العالمي ذي السمعة العالمية بما يحتويه من مقتنيات ومن كنوز فريدة من نوعها بالتالي افتتاحه سمع به العالم كله.

ــ تتحدث في حواراتك عن آثار سورية وما تعرّضت له من نهب والتنقيبات غير الشرعية، لذا، أسألك عن رُقُم إبلا؟ هل كانت في متحف إدلب؟ هل هي في سورية حالياً؟

«رقم إبلا» لا نعلم مصيرها على الإطلاق، هي كانت موجودة في متحف إدلب الذي تعرّض للنهب ومن ضمنه أرشيف إبلا.. وقيل إن هناك رجال أعمال خليجيين جاءوا وأشرفوا على عملية سرقة «رُقُم أبلا»..

ـ..ورُقُم ماري وأوغاريت؟

رُقم ماري وأوغاريت موجودة في أماكن آمنة في سورية، ولكن هناك الآلاف من رقم ماري وأوغاريت موجودة في فرنسا في متحف اللوفر ولم يعدها لنا لانها كلها كانت خلال التنقيب في فترة الانتداب، وبالتالي أخذوها إلى متحف اللوفر وطالبت المديرية كثيراً باستعادتها ولكن لم تتم إعادة إلا القليل منها، بالتالي استطاعت كوادر المديرية العامة للآثار والمتاحف أن تعيد محتويات متحف دير الزور وأتت به إلى هنا وهي في مكان آمن ومحفوظة بشروط مناسبة.

موقع ماري تعرض لأعمال تنقيب غير شرعية خلال سيطرة الجماعات الإرهابية. وهذه الأعمال أدت إلى تخريب الموقع وحفر في كل مكان وعثر الجيش بعد تحرير المنطقة على الكثير من اللقى الأثرية وتم تسليمها إلينا، حوالي عشرة آلاف قطعة أثرية حتى الآن تمت استعادتها عن طريق قوى الأمن والجيش. وهي تعود إلى عصور مختلفة ومن ضمنها مئات القطع من ماري كانت العصابات الإرهابية قد نقبتها ولم تتمكن من تهريبها وعندما حرر الجيش المنطقة عثر عليها. وهي الآن موجودة في المتحف الوطني وأقمنا أكثر من معرض في دار الأوبرا وغيرها عرضنا نماذج من اللقى الأثرية لا يوجد رقم إنما لقى جميلة جداً.

ـ وماذا عن أساس الحضارة السورية؟

الحضارة السورية عميقة الجذور، أقدم موقع أثري لدينا يعود إلى مليون عام، لدينا مواقع في اللطامنة وعلى العاصي وفي يبرود، ومنها تعود إلى ثلاثمئة ألف عام، وأساس هذه الحضارة أن الاستقرار الإنساني الأول في الكون كان في بلادنا وتحوّل من حياة الصيد والالتقاط إلى حياة الاستقرار.

في بلادنا نشأت القرى الزراعية الأولى في العالم، الإنسان بنى قرية وأصبح ينتج. في هذه المنطقة نشأت المدن الأولى ومعها الاستقرار الأول في العالم، وكذلك في الرافدين نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد، أوروك وجلجامش وكيش وأوما وماري وإبلا.. الخ… الممالك الأولى الإمبراطوريات الأولى. الحضارة نشأت في هذه البلاد وتعمقت في الألف الثالثة والثانية ق.م. ومع نشوء الكتابة أيضاً التي كانت تصويرية ومن ثم مقطعية مسمارية وبعد ذلك تحولت إلى أبجدية مسمارية حوالي القرن الرابع عشر ق.م في أوغاريت ثم بعد ذلك تحولت أبجدية فينيقية آرامية في جبيل من 22 حرفاً وأخذ عنها اليونان وبعد ذلك الرومان وأصبحت لغة عالمية، ألفا بيتا دلتا جاما هذه هي حضارتنا تتميز عن حضارات الكون. فمثلاً في اوغاريت هناك خمس أو ست لغات ومجموعات بشرية تعيش مع بعضها إلى الآن، هناك نصوص لأوغاريت لم تقرأ نصوصها، ولم تُعرف هذه اللغة، تدمر كانت ملتقى الكون طرق تجارية وثقافة. وهذه رسالة بلادنا التي توحد العالم عبر الأجيال.

ـ هل لك أن تحدثنا عن المواقع الأثرية في دمشق وإمكانية ترميمها؟

من المواقع الأثرية في دمشق، المتحف الوطني وخان أسعد باشا والمتحف العربي وبيمارستان النوري… ونحن نعمل على المواقع الأثرية التي تحتاج إلى حالة اسعافية سريعة. حالياً لدينا أمكنة متضررة جداً في كل المدن، وخاصة في حلب، وكل تأخير قد يكلفنا أضعاف المبالغ نتيجة عوامل الطبيعة والمناخ والطقس لهذا نتجه إلى الأماكن التي تحتاج إلى تدخل سريع. فنحن نحتاج إلى ميزانية كبيرة وإلى جهود كبيرة لإعادة الحياة إلى هذا التراث الإنساني العظيم. هذا تراثنا السوري أينما ذهبت مواقع أثرية وأبنية أثرية مهمة جداً..

الأسس الحضارية في بلاد الشام والرافدين

ـ في كتاب الديانة السورية القديمة توقفت عند الجغرافيا التاريخية المقصودة، هل نحن أمام ديانة بلاد الشام أم الهلال الخصيب أم الجمهورية العربية السورية؟

كلها واحدة… هذا الحوض سورية والعراق بلاد الشام والرافدين هذه المنطقة هي التي أرست الأسس التي سارت عليها الحضارة الإنسانية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، منطقة الشام والرافدين هي ام الحضارات ومصدر الحرف، والأبجدية والعلوم.

منذ فترة كانت هناك ندوة علماء آثار يابانيين أحدهم من جامعة سوكوبا تكلم عن الحضارة السورية قال هل تعلمون إنه توجد في اليابان ستمئة بعثة أثرية تعمل لدينا، ولكنها غير مهمة. لماذا غير مهمة هل تعلمون؟ يسأل الحضور أمام الإعلام . ويعود ليقول أمام الحضور والإعلام: «مهمة لنا بالنسبة لليابان، أما مواقعكم مهمة للعالم كله مواقعكم عالمية، لذلك كان لديكم مئة بعثة أجنبية تعمل لديكم، العالم يعلم قيمة هذه المواقع وهذه المنطقة وهذه الآثار والتراث، عمقنا الاستراتيجي العراق بلاد الرافدين لهذا أميركا جن جنونها عندما وصل الحشد الشعبي إلى الحدود كي لا نصل إلى هذه المنطقة.