روايات حنا مينه أغنت الشاشتين الكبيرة والصغيرة
السبت 29-09-2018
علي العقباني:
كما يفعل عادة الكثير من الروائيين الكبار عربياً وعالمياً، إذ يعلنون استياءهم من الأعمال السينمائية التي تعتمد على أعمالهم الأدبية، رواية أو قصة، كان الروائي السوري حنا مينه، الذي رحل مؤخراً عن عمر ناهز 94 عاماً، بعدما ترك رصيداً ضخماً من الروايات والأعمال الأدبية الأخرى، غير راض عن معظم الأفلام التي استندت إلى رواياته، ربما لم يرَ أبطاله الذين تخيلهم ولا حبيباتهم ولا أجواء البحر والصراع والخيانةـ وربما لم يرَ نفسه أيضاً، أو ربما لم يتعامل مع السينما كمكون إبداعي خاص ومستقل في بنيته الفنية والسردية والبصرية وتداخلاتها، ربما هذا وغيره أيضاً، لكن كل ذلك لم يمنع السينما السورية من أن يكون أدب حنا مينه المعين الأكبر للأعمال السينمائية التي كان الأدب مادتها الأولى..قدمت له السينما السورية فيلم «بقايا صور» من إخراج نبيل المالح و«آه يا بحر» و«الشمس في يوم غائم» المأخوذ عن رواية «الدقل» من إخراج الراحل محمد شاهين و«اليازرلي» المأخوذ عن قصة «على الأكياس» من إخراج قيس الزبيدي، وفيلم«الشراع والعاصفة» للمخرج غسان شميط من خلال مجموعة من الأحداث التاريخية التي تختلط مع الأحداث المحيطة بالواقع لتعكس أبرز التناقضات التي كانت تسود مجتمعنا غير المتجانس من خلال يوميات رجال البحر في صراعهم المفاجئ مع العاصفة..هذا في السينما، أما في التلفزيون فقد كان للكاتب مينه حصة من الاقتباس والانتشار في بداية عقد التسعينيات من خلال العمل الدرامي «نهاية رجل شجاع» المأخوذ عن رواية «نهاية رجل شجاع» التي أعد لها السيناريو الكاتب حسن م. يوسف، وإخراج نجدة أنزور، وكذلك «بقايا جروح» عن رواية «بقايا صور».
قدمت الرواية التي كتبها حنا مينه مستويات ثقافية لشخصيات رواياته متعاملة مع الشخصية الشعبية، والمناضل السياسي، وعامل السفن في البحر والصياد والموظف…. ونماذج إنسانية سورية. .جذبت أعماله الروائية والقصصية منذ بدايات السينما السورية المخرجين السوريين والعرب على حد سواء، ولاسيما أولئك المولعين بالصورة الجميلة والبنية السردية المشهدية المتميزة، على حساب العنصر القصصي والدرامي، وهذه سمة مميّزة لعلاقة الشاشة بأدب حنّا مينه، فلقد كانت أعماله الأخيرة أعمالاً قصصية أقرب إلى السيناريو منها إلى الرواية، فأقبل السينمائيّون ومن يتعاطى التلفزيون على تلك الأعمال ليصبح أكثر روائي سوري قدمت أعماله في السينما والتلفزيون..البداية السينمائية، كانت في فيلم «اليازرلي» (1974م)، عن قصة طويلة بعنوان «على الأكياس»، للمخرج العراقي قيس الزبيدي، ومدته (95 دقيقة)، ويرى العديد من النقاد أن هذا الفيلم ينطوي في بنائه الدرامي، على عناصر شعرية وملحمية تعتمد في بنيتها السردية والفنية على وسائل بصرية مونتاجية.
في العام 1974 يحقّق المخرج نبيل المالح فيلم «بقايا صور» عن رواية حملت الاسم نفسه، ومدته (130 دقيقة)، وفيه عودة إلى عشرينيات القرن العشرين، حيث قصة الأب السكير الشهواني الرحالة، والأم الضعيفة الطهرانية، وحكايات الأخوات والمدرسة والخال والصراع في ريف الإسكندرون واللاذقية بين الملاكين والفلاحين، وتنهض بخاصة شخصية العاهرة زنوبة الأرملة وعشيقة الأب.
كما قدم المخرج الراحل محمد شاهين فيلم «الشمس في يوم غائم» (1985م)، عن رواية تحمل أيضاً الاسم نفسه، ومدته (110 دقائق)، فيه سيكون السحر في الرقص، رقصة الخنجر، وسيكون الحب والجنس وصبوة الحياة شكلاً خاصاً من السحر، وكما عادة مينه في مزج التاريخي بالشخصي والاتكاء على مرحلة ما للتعبير عن أفكاره ورؤاه في الحياة والأدب.
بعد هذا الفيلم يحقّق شاهين أيضاً فيلماً ثانياً هو «آه يا بحر» (1994م)، المأخوذ عن رواية «الدقل»، ومدته (120 دقيقة) تمثيل: منى واصف، خالد تاجا، رنا جمول، جلال شموط، مازن الناطور، تدور أحداثه في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات من هذا القرن، في ظل الاحتلال الفرنسي، وتبدأ الأحداث مع وصول أسرة البحار صالح حزوم من لواء إسكندرون إلى اللاذقية ومحاولة البحث عنه، حيث يحاول ابنه سعيد، اقتفاء أثره بعد أن انطلقت أكثر من شائعة عن سبب اختفائه، ويقرر أن يصبح بحاراً مثل أبيه ويتعرف على الريس عبدوش ويعمل معه في البحر، لكن عاصفة تواجه السفينة المبحرة، فيكون السؤال المؤرق: هل يغرق سعيد حزوم أم ينجو؟.
وتنتقل رواية حنا مينه «الشراع والعاصفة» إلى الشاشة الكبيرة على يد المخرج غسان شميط، الذي حاول السير مع الفكرة الأساسية للرواية ولم يتشعب في أكثر من اتجاه، حاول السير بمحاذاة الشخصية الأساسية وهي البطل الشعبي الطروسي الذي بني عليه العمل، وكانت ذروة إنهاء الفيلم مع نهاية العاصفة، لكونها ذروة النجاح بالنسبة إلى الشخصية المحورية.