بيت السينما يفتتح عروض موسمه الثاني بفيلم ستموت في العشرين من السودان
في أول عروض بيت السينما في موسمه الثاني . الذي تنظمه المؤسسة العامة للسينما وفي صالة كندي دمشق . قدم يوم الخميس الماضي فيلم ستموت في العشرين إخراج أمجد أبو العلا . وهو الفيلم الذي أنتج عام 2019 وحقق للسينما السودانية الكثير من الحضور القوي في المشهد السينمائي العربي والعالمي . حضر العرض جمهور جيد ومتنوع من حيث العدد ينتمي لعدة شرائح اجتماعية وثقافية ومهنية . وعقدت بعد عرض الفيلم ندوة نقاش أدراها فراس محمد ورامي نضال طرحت فيها أفكار في السينما و المجتمع و الدين والصوفية و الخرافات …
زميلنا الصحفي غسان شمة شاركنا الحضور وكتب لمجلة آفاق سينمائية مادة خاصة :
ستموت في العشرين” .. الحياة والموت في مشهدية غنية
بالعديد من الجوائز في مهرجانات دولية مختلفة أطلق فيلم ” ستموت في العشرين” السينما السودانية في سماء الفن السابع معلناً ولادتها الجديدة بعد أكثر من عشرين عاماً من الانقطاع عن الانتاج..
الفيلم، المنتج عام 2019، استقبلته المهرجانات السينمائية بالترحيب والتقدير ونال جائزة ” أسد المستقبل” في الدورة السادسة والسبعين لمهرجان البندقية عن أفضل عمل أول.. كما فاز بالجائزة الذهبية لمهرجان الجونة المصري في دورته الثالثة، وحمل توقيع المخرج الشاب أمجد أبو العلا الذي كتب السيناريو بمشاركة يوسف إبراهيم عن قصة قصيرة بعنوان ” النوم عند قدمي الجبل” للكاتب السوداني حمور زيادة..
يتناول الفيلم ببساطة حكاية تحمل بذور دهشتها ومحليتها عبر تفاصيل تبدأ مع نبوءة الشيخ عبد القادر بأن البطل ” مزمل” سيموت في العشرين من عمره بعد سقوط أحد الدراويش عند هذا الرقم وهو يردد ” سبحان الله” لتصاب الأم سكينة بفجيعة تحرق داخلها بدلاً من العودة بالمباركة التي جاءت تطلبها لمولودها الجديد..
تدور أحداث الحكاية في قرية سودانية صغيرة ذات طابع صوفي له شديد التأثير على الناس، فيقع “مزمل” أسيراً لهذه النبوءة ويدخل صراعاً مستمراً مع فكرة موته التي ترعبه وتتسبب بتنمر أبناء قبيلته الذين يطلقون عليه ” ولد الموت” فتترسخ لديه هذه القناعة التي تجعل منه خانعاً يمضي أيامه في الخوف من تجربة الحياة والحب والخطيئة وهو المكبل بخرافة قذفت بعقله إلى ما وراء حجب أسدلت بظلالها على أفعاله التي أسرته في جدرانها النفسية..
وكذلك الحال تعيش أمه أسيرة هذه النبوءة القاسية، في ظل غياب الأب ” الهارب” بحثاً عن مصدر رزق تاركاً الإثنين في مواجهة قدر صعب حتى أنها تقوم بخياطة الكفن لابنها في مشهد شديد الوجع والأثر في العقل والروح..
مزمل الذي يتهرب من الحب ويرفض الاستمرار مع نعيمة العاشقة ذات الشخصية الحاضرة كهالة من ضوء، يتعرف على “سليمان” الرجل المتمرد والمثقف الذي يعاقر الخمر ويعيش علاقة حب، يحاول إخراج مزمل من الدائرة المغلقة التي وضع نفسه فيها، ويطلب منه الخروج من محيطه والتعرف على العالم خارج أسوار قريته.. وفي بيته يكتشف مزمل فن السينما المدهش، ونرى سليمان يحرضه بالقول ” لو حد يقلي ستموت في العشرين كنت أسوي كلشي وأطلعلهم لساني بعد العشرين”..
ويستغرب سليمان إصرار مزمل على التزامه الديني وهو لم يرتكب أي خطأ وبالتالي على ماذا سيحاسب ..؟ ويدخل سليمان في جدل شديد مع تلميذه، الذي يرفضه على نحم ما خاصة بعد أن حذرته سكينة أمه من التعامل معه، ويأتي موت سليمان ” المتنور العاجز” أشبه بانتحار أو انسحاب من معركة؟!
مزمل وفي اليوم المنتظر لتحقيق النبوءة تتفجر في داخله كوامن الحياة غير المعلنة فيقرر ارتكاب الخطيئة مع حبيبة سليمان، كما لو أن الفعل العنيف يتصادى مع الخطيئة الأولى للبشرية لتفتح بوابة المعرفة والحياة، ثم يقع أرضاً لنظن أن النبوءة تحققت، لكنه مع انبثاق الصباح ينهض ويخرج إلى الضوء ويبدأ بالجري كما لو أنه هارب من أسوار سجنه وعالم قريته الذي يعيش صراع الجهل والعلم ..
هو حكاية صراع الحياة والموت، والجهل في مواجهة العقل، حكاية تستظل العمق في قلب البساطة بطرح قائم على جملة من الصراعات الداخلية والخارجية لشخصيات العمل الرئيسية والغنية على المستوى النفسي..
وقد دارت عين الكاميرا بحساسية عالية وهي تتنقل بين المشاهد، ترصد تواتر وصراع النور والظلمة الغنيين بالدلالات، والأماكن التي تتميز بالبساطة والجمال الطبيعي عبر تشكيلات بصرية تخاطب الروح والعقل، مستفيدة من جمال الطبيعة نفسها ومن أزياء أبناء القرية التي ساهمت في غنى الدلالة والرمزية التعبيرية لكثير من المشاهد..
يمكن القول إن السينما السودانية قد انطلقت في فضاء واسع مع بصمة المخرج الذي يمتلك عيناً ورؤية بصرية وفنية قدمت لوحة بجماليات المكان وطريقة التناول والتعبير.