تابعت اليوم 4/12/2018 الندوة الفكرية (الآداب والفنون… والارتقاء بالثقافة) التي تقيمها وزارة الثقافة تحت رعاية السيد وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد، واحتفاءً بيوم الثقافة السورية فعاليتها لليوم الثاني في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق.
الفكر والثقافة
قُسمت محاور اليوم الثاني والختامي من هذه الندوة على جلستين، حملت الأولى منهما عنوان (الفكر والثقافة)، وأدارها د. محمد القاسم، وتحدث فيها بداية د. عاطف البطرس عن (دور الفكر في التغيير) مضمناً في بحثه جملة من النقاط منها: دراسة الواقع في حركته على أسس منهجية تبين العلاقات بين البنى التحتية وانعكاساتها على الفكر الذي سيقوم بدوره بتحديد عملية التغيير ووضع مساراتها على هدى استراتيجيات محددة المعالم ومدروسة بدقة وفق فلسفة المادية الجدلية. والفكر العربي وأهم سماته في الوقت الحالي حيث التمييز بين فكر ثبوتي ماضوي وفكر ديناميكي حركي متطور يستند إلى معطيات العلم ويعتمد العقلانية ويبتعد عن أحادية التحليل منطلقاً من تشابهات الواقع.
من جهته الدكتور ثائر زين الدين المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب بيّن في محوره الذي حمل عنوان (التأليف والنشر إبداع ومعرفة) أن الكتابة هي الفِعلُ الإنسانيُّ الأرقى في حياةِ الكائِنِ البشري؛ ولقدْ قُدِّرَ لهذا الكائِنِ أن يحفظَ ما كَتَبَهُ منذُ بدءِ اكتشافِهِ لهذا الفِعلِ المُذْهِلِ في كُتبٍ تطوّرت من ألواحِ الطّينِ والرُّقُمِ والمِسلّاتِ والأحجارِ كحجرِ الرّشيدِ مثلاً مروراً بالكُتبِ التي وجدناها على لفافاتِ أوراقِ البَرديّ وجلدِ الغزالِ وما إلى ذلك، وصولاً إلى الكتابِ الورقيِّ، فالكتابِ الإلكتروني.. والناطق، وما لا نعرفُ من أشكالٍ قد نَصلُ إليها إذا لم تُفنِ البشريّةُ نفسها ذاتِ يوم، والإنسانُ خَلَقَ عَبْرَ الكتابةِ ذاكرةً للنوع البشريِّ لا تموت.. والذاكرةُ كما يَرى الرّوائيّ والفيلسوف الإيطاليّ إمبرتو إيكو (1932 – 2016) هي روح الإنسان. كما أن المكتبات هي الذاكرة المشتركة للجنس البشريّ؛ ورُبّما لهذا كُلِّه وَصَفَ دانتي الله في الفردوس بأنّه “مُجلّد واحد” حيث يكمُنُ كلَّ شيء مُبعثر في الكون.. اللهُ ووفق وصف دانتي – مكتبةُ كُلِّ المكتبات. وتناول د. ثائر زين الدين في محوره أيضاً أزمة الكتاب في البلدان العربية، ودور الجهات الرسمية، ودور النشر الخاصة في معالجة هذه الأزمة.
أما الأستاذ مالك صقور في ورقته التي عنونها بـ (الترجمة جسر للتواصل) فقد تناول فيها الحديث عن أهمية الترجمة، ومكانتها، وفضلها في حقول العلم والمعرفة والثقافة وتطورها عبر العصور بين الشعوب والأمم، ودورها في التفاهم، وتبادل الثقافات وتلاقيها.
وختم الأستاذ نظير عوض محاور الجلسة الأولى ببحثه الذي حمل عنوان (الآثار تاريخ ناطق) مبيناً فيه أن الفضل في كتابة تاريخ منطقتنا العربية منذ أقدم العصور وحتى مطلع الألف الثالث قبل الميلاد يعود إلى المخلفات الأثرية التي تركها الإنسان، والتي مثلت الوثائق والمصادر اللازمة لكتابة هذا التاريخ حتى مطلع الألف قبل الميلاد حيث ظهرت وثائق كتابية مهمة شكلت مصدراً آخر بالغ الأهمية لكتابة التاريخ القديم. وتابع عوض في ثنايا بحثه الحديث عن الآثار مؤكداً أن تطور علم الآثار وما يرتبط به من أدوات بحثية ومناهج علمية وعلوم مساعدة ساعد على دراسة المخلفات الأثرية وكتابة تاريخ الإنسان القديم في المنطقة، وتبيان دوره الريادي بصفته صاحب الابتكارات الأولى في مجالات الاستقرار والبناء والزراعة والتدجين وتصنيع الفخار والفن والدين والكتابة.
الإعلام والثقافة
(الإعلام والثقافة) هو عنوان الجلسة الثانية ضمن فعاليات اليوم الثاني من ندوة (الآداب والفنون… والارتقاء بالثقافة)؛ أدار هذه الجلسة د. عاطف البطرس، وتحدث فيها بداية د. عبد اللطيف عمران مدير عام ورئيس هيئة تحرير دار البعث عن موضوعة (الإعلام مرآة للواقع) مبيناً أنه ولفترة طويلة مضت من الزمن كان كثير من الناس ينظر إلى أن الإعلام مرآة الواقع، ولكن من ثورة المعلومة والاتصالات بدأ الشك في هذه النظرة يزداد، ولا سيما حين برزت وسائل إعلامية عديدة مأجورة لرجال الأعمال وللأنظمة السياسية تبتعد في مهنيتها عن الرأي الحر، وعن الاستقلالية والموضوعية والنزاهة. لذلك فإن الإعلام اليوم يئن تحت وطأة مراكز الأبحاث في الغرب التي هي مراكز استخبارات استعمارية، وتحت وطأة شدة تأثير الوجبات السريعة للسوشيال ميديا، وثالثاً يئن تحت ثقل الاختراق السياسي والاقتصادي لرجال المال والسلطة ما يسهم في تشويه الوعي، وقيام نوع من الحروب الناعمة الفتاكة بناء على تفتيت المجتمع وتهشيم وحدته.
أما أ. علي القاسم رئيس تحرير صحيفة الثورة في ورقته (الصحافة مواكبة وتحليل) فقد أوضح أن العنوان هذا يطرح إشكاليتين الأولى تتعلق بالشكل والثانية ترتبط بالمضمون، ففي الشكل نحن أمام حالة مركبة تتعلق ببدهية العمل الصحفي باعتباره الغاية التي تعمل من أجلها الصحافة أو أحد أوجه هذه الغاية، وفي المضمون هناك بحث عن التغييرات التي طرأت على العمل الصحفي وظيفياً ومهنياً أمام التطورات المتلاحقة التي أصابت مهنة الصحافة، وهل نحن أمام تعديل في المهمة الوظيفية أم محاولة للتكيف مع الظروف وتغيير نوع الصحافة من صحافة الخبر إلى صحافة الرأي وما يتطلبه هذا التغيير.
وختم أ. محمد البيرق رئيس تحرير صحيفة تشرين بورقته التي تحمل عنوان (الإعلام والثقافة وجهان لهدف واحد) فعاليات هذه الجلسة عارضاً في ثناياها أن الباحثين اختلفوا في تعريف مفهوم الثقافة ليكون الإجماع على توصيفها بأنها مجمل ما يقدمه المجتمع من عادات وقيم وسلوكيات وعلاقات يتعلمونها ويتكيفون معها، وأن الإعلام ما هو إلا انعكاس للحالة التي يعيشها المجتمع، لذلك يجب أن يماثل في صفاته ميزة الموشور الذي هو وسط شفاف منه يتحلل اللون الأبيض إلى جميع الألوان، لذلك وجب عليه أن يقوم بوظائف تلبي حاجات وتوقعات المواطن وأن يحقق جماهيرية تجعل من وسائله منصة لتعزيز الأدوار الثقافية ومواكبة حاجات الأفراد الفكرية والمادية.
وفي الختام أرسل المشاركون في هذه الندوة برقية تحية لقائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد وفيما يلي نصها:
سيادة الرئيس المفدى بشار الأسد حفظه الله، تحية العروبة والإباء : تنادى المثقفون والكتاب والأدباء والفنانون والصحفيون للمشاركة في ندوة “الآداب والفنون. والارتقاء بالثقافة” التي تقيمها وزارة الثقافة بمناسبة يوم “الثقافة السورية ـ المصادف يوم ١١/٢٣ “من كل عام.. وقد اجتمعوا برعاية وزارة الثقافة تحت قبة مكتبة الأسد الوطنية يومي ” ٣-٤ /١٢ /٢٠١٨م ” متسلحين بثقافة الانتماء وقيم المواطنة، ملتزمين بالهوية الوطنية والقومية التي تتطلع إلى خلاص الأمة العربية من التمزق والتشرذم والتخلف والجهل، مواكبين لبطولات جيشنا العظيم والقوات الرديفة، والحليفة في معركة الشرف الكبرى، لمواجهة عصابات الجهل والظلام مجرمي العصر من عصابات داعش والنصرة وغيرهما. ممجدين لتضحيات أبطالنا من الشهداء والجرحى، صامدين في ساحة المجد لتطهير ما تبقى من تراب الوطن؛ فالتراب السوري واحد، والشعب السوري موحد، والسيادة لن تتجزأ ولن تضعف. سيادة الرئيس أعلن المجتمعون في كلماتهم وأوراقهم البحثية تطلعهم إلى سورية الآمنة المستقرة المتقدمة؛ ووقوفهم إلى جانب جيشهم البطل في ظل قيادتكم الحكيمة، إذ يؤمنون بأن الكلمة الوطنية المناضلة والمقاومة رفيقة البندقية في ثقافة التحرير والمقاومة، ويحيون أرواح الشهداء الأوفياء، ويثمنون جراح الأبطال متمنين لهم الشفاء، والنصر لجيشنا وحلفائه بقيادتكم، والخزي والعار للخونة والعملاء.