في كتاب عصر الوصول جاء قول مؤلفه.. إن حروب المستقبل هي حروب الثقافة، وها نحن اليوم نعيشها تماماً ولكن بأشكال مختلفة متلونة متنوعة.. لم تتوقف الحروب الثقافية يوماً ما ويمكن القول ببساطة إن كل حرب تحمل في طياتها وأهدافها جانباً من جوانب الحرب الثقافية من أجل فرض غاية أو هدف ما بالمحصلة هو ثقافي.
اليوم كثر الحديث عن حروب الجيل الرابع كما تقول الدكتورة لبانة مشوّح في كلمة الوزارة لمجلة المعرفة اب.. والتي جاءت تحت عنوان “الحروب الثقافية” تقول دكتورة لبانة مشوّح:حرب الجيل الرابع مصطلح شاع في الاستخدام بعد نشر صحيفة اللوموند الفرنسية عام ٢٠٠٢م مقالاً أحدث ضجة كبيرة ل(جيمس وولسي) المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركيّة قال فيه: سنربح الحرب الرابعة وفي هذه المقولة تضيف الدكتورة مشوح صدى لشعار يتغنى به المحافظون الجدد مفاده أن أميركا استفاقت من جديد وعادت لتؤدي دورها الذي نذرت له في خدمة الديموقراطية..
ومن متلازمات مصطلح حرب الجيل الرابع عبارة اصطلاحية أخرى هي الحرب الثقافية.
ترى مشوّح أنه ليس من إجماع على تعريف المصطلح هذا تماماً فقد تعددت الآراء حوله من رؤيتهم أنها حرب دفاع عن الهوية إلى كل ما في المصطلح من معان.
لكن العبارة في شقها اللغوي الدلالي تجمع نقيضين هما الحرب والثقافة، فالحرب عنف وقتل ودمار في حين يفترض في الثقافة أن تكون تقويماً وتشذيباً وتهذيباً..
والحرب الثقافية تشن بأسلحة الثقافة مثل: اللغة والفكر والإعلام بأنواعه وتهدف إلى احلال ثقافة ما محل أخرى لأغراض شتى أخطرها الهيمنة والإخضاع..
وهي بالتالي استهداف مباشر أو غير مباشر للمبادئ التي ترتكز عليها المنظومة الفكرية الثقافية لشعب من الشعوب وهو استهداف له مآرب تتجاوز البعد الثقافي على أهميته هي حرب أسلحتها منظومة جميلة مغرية من المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأنظمة مختلفة منها: الإعلام والاتصالات.. تدعي الدفاع عن حق العدالة والمساواة أو الديموقراطية وعن التعددية الثقافية، لكنها في الواقع تهدف إلى بث الفرقة وإثارة الفتن وصولاً إلى تفكيك النسيج الاجتماعي..
هي حرب ثقافية لأنها تشن بأدوات ثقافية وتستهدف الهوية الثقافية فتنعكس سلباً على أنماط السلوك ومناهج الحياة وترسّخ قيماً جديدة تقوّض الأسس التي قام عليها العقد الاجتماعي.
الحرب الثقافية حرب استراتيجية تدار بمكر ودهاء لتدمير روابط إنسانية صنعت عبر التاريخ نسيج الشعب الواحد ..أو لبث العداء والفرقة بين شعوب وقوميات وطوائف وإشغالها بصراعات وهمية عن قضاياها المصيرية.. تسعى الحرب الثقافية إلى تشويه الواقع والتشكيك بالقيم السائدة وتفويض البنية الأخلاقية وتفكيك النسيج المجتمعي مستهدفة بذلك جوهر الإنسان.. العنصر الأساس في وجود الدولة وديمومتها وازدهارها..
ومكمن خطورتها أنه لا يشترط أن تشنها دولة بصورة رسمية.. وهي ليست حرباً معلنة بالمعنى المتداول للكلمة