
افتتاح معرض (الرواية ديوان العرب الجديد)، وحفل تكريم الفائزين بجوائز وزارة الثقافة الأدبية
تم اليوم في المكتبة السورية الوطنية في دمشق، وتحت رعاية السيد وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد، وضمن فعاليات يوم وزارة الثقافة، افتتاح معرض لإصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان (الرواية ديوان العرب الجديد) ولمجموعة نادرة من مخطوطات المكتبة السورية الوطنية، تلاه حفل تكريم الفائزين بجوائز وزارة الثقافة الأدبية (جائزة حنا مينه للرواية – جائزة د. سامي الدروبي للترجمة – جائزة عمر أبو ريشة للشعر – جائزة القصة الموجهة للطفل). حضر حفلي الافتتاح والتكريم د. ثائر زين الدين المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب، والأستاذ محمود عبد الواحد مستشار السيد وزير الثقافة، والأستاذ إياد مرشد المدير العام للمكتبة السورية الوطنية، ومديرو الهيئة، إلى جانب عدد من المهتمين بالشأن الثقافي والإعلاميين.
وجاء في كلمة السيد وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد التي وزعت نسخ منها على الصحفيين:
أُرَحِّبُ بكم في يومِ الثَّقافةِ السّوريّةِ يومِ الثَّقافة لارتقاءِ الإنسان، ويطيبُ لي أَنْ تُخَصَّصَ إحدى فعّاليّاتِهِ لتكريمِ كوكبةٍ مِن أَنباهِ الْمُبدِعِيْنَ الّذين فازُوا بالجوائزِ التي أعادتْ وزارةُ الثقافة إطلاقَها في مجالِ الترجمةِ والشّعرِ والرِّوايةِ في العامِ المنصرمِ بعدَ أَنْ توقَّفتْ حينًا مِنَ الدّهرِ.
إِنَّ رعايةَ وزارةِ الثَّقافةِ للمبدعينَ في مختلفِ حقولِ المعرفةِ الإنسانيَّةِ يُعَدُّ في الصَّميم مِنْ وَاجِبَاتها، بل هو أَصْلٌ ومَقْصِدٌ نبيلٌ مِنْ مَقَاصِدِ إحداثِها، ويُسْعِدُ المرءَ أَنَّ هٰذا التَّكْرِيْمَ يَتَزَامَنُ مَعَ انتصاراتِ جيشِنا العربيِّ السّوريِّ المتتاليةِ على الإرهابِ، وإخمادِ جَذْوَةِ هٰذه الحربِ الغَشُومِ الّتي شُنَّتْ على بلادِنا يَتَغيَّا مُشْعِلُها وَأْدَ المعرفةِ وحَجْبَ النّورِ عن أَرضِ الأبجديّةِ الْأُولى، ولكنْ هيهاتَ، فقد اصْطَدَمَتْ بإرادةِ شعبٍ حرٍّ أبيٍّ لا يلينُ، وجيشٍ باسلٍ مقاومٍ، وقيادةٍ حكيمةٍ أدارتْ دفَّةَ هٰذه الحربِ بثباتٍ وشجاعةٍ نادرَيْنِ.
وقد عَهِدَتِ الوزارةُ إِلى ثُلَّةٍ مِنَ الباحثينَ والأكاديميينَ والنُّقَّاد تحكيمَ أعمالِ المبدعينَ، وامتازتْ تقاريرُهم بالموضوعيّةِ والدّقّةِ والرّصانةِ والذَّوقِ العالي.
ففي جائزةِ عُمرَ أبو ريشة للشِّعرِ احتكمتِ اللجنةُ إلى سلامةِ اللُّغةِ والأوزانِ وحضورِ الموهبةِ وإشراقِ الدِّيباجةِ وسُمُوِّ الفِكْرَةِ والخيالِ المجنِّحِ والصّورةِ المُشْرقة.
وفي جائزةِ حنّا مينا للروايةِ أولتِ اللجنةُ للمضامينِ الفكريّةِ للروايةِ أهميّةً خاصّةً، وراعتِ امتلاكَ الرّوائيِّ تقنياتِ صناعةِ الرّوايةِ، فالطَّعامُ المُشْتَهَى لا يُقَدَّمُ إِلا في إِناءٍ أنيقٍ رائقٍ.
وفي جائزةِ سامي الدُّروبي للترجمةِ نظرتِ اللجنةُ إِلى امتلاكِ المترجمِ ناصيتَيِ اللُّغتَيْنِ النَّاقلِ منها والمنقولِ إليها، وما قدَّمَه للنَّصِّ المترجَمِ مِنْ خِدْماتٍ تتمثّل فيما يكتبُهُ مِن حَوَاشٍ تَفُضُّ خَتْمَهُ، وتكشفُ خَبِيْئَه.
هٰذا وقد نوّهتْ لجانُ التحكيمِ ببعضِ الأعمالِ المتميّزةِ في الحقولِ المذكورةِ: الشّعرِ والرِّوايةِ والترجمةِ، للذي اتّفقَ فيها مِنْ وَمَضَاتٍ إبداعيّةٍ مشرقةٍ استحقّتْ أَنْ يشارَ إليها بالبنانِ، وإنْ كانتْ دونَ ما فازَ مِن الأعمالِ.
أباركُ للمبدعينَ جميعِهم، وأُثمِّنُ ما فاضتْ به عقولُهم وقرائحُهُم، وآملُ أَنْ يتواترَ مشروعُهم الإبداعيُّ، ليكتملَ صرحُ مشروعِنا الثَّقافيِّ التنويريِّ الّذي لا تني وزارةُ الثَّقافةِ ترعاهُ وتدعمُه وتُدَمِّثُ له كُلَّ طريقٍ.
أما الكلمة التي ألقاها المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب د. ثائر زين الدين، فقد جاء فيها:
الكتابةُ هي الفِعلُ الإنسانيُّ الأرقى في حياةِ الكائِنِ البشري؛ ولقدْ قُدِّرَ لهذا الكائِنِ أن يحفظَ ما كَتَبَهُ منذُ بدءِ اكتشافِهِ لهذا الفِعلِ المُذْهِلِ في كُتبٍ تطوّرت من ألواحِ الطّينِ والرُّقُمِ والمِسلّاتِ والأحجارِ كحجرِ الرّشيدِ مثلاً مروراً بالكُتبِ التي وجدناها على لفافاتِ أوراقِ البُردى وجلدِ الغزالِ وما إلى ذلك، وصولاً إلى الكتابِ الورقيِّ، فالكتابِ الإلكتروني.. والناطق، وما لا نعرفُ من أشكالٍ قد نَصلُ إليها إذا لم تُفنِ البشريّةُ نفسها ذاتِ يوم، والإنسانُ خَلَقَ عَبْرَ الكتابةِ ذاكرةً للنوع البشريِّ لا تموت.. والذاكرةُ كما يَرى الرّوائيّ والفيلسوف الإيطاليّ إمبرتو إيكو (1932 – 2016) هي روح الإنسان، فالنّاسُ عندما تقول: “أنا؛ فإنما تعني ذاكرتنا”.. المكتباتُ هي الذاكرة المشتركة للجنس البشريّ؛ ورُبّما لهذا كُلِّه وَصَفَ دانتي الله في الفردوس بأنّه “مُجلّد واحد” حيث يكمُنُ كلُّ شيء مُبعثرٍ في الكون.. اللهُ ووفق وصف دانتي – مكتبةُ كُلِّ المكتبات.
ولهذا فليسَ غريباً أن يجتهدَ العالمُ اليوم في إحداثِ الجوائز المخصّصةِ للكتابةِ وفي منحها أيّاً كانت الأسباب الكامنة خلف ذلك… حتى أنّ ساعةً واحدةً لا تمرُّ في عالمنا اليوم إلاّ وتشْهَدُ منحَ شخصٍ ما جائزة أدبيّة، ففي بلدٍ مثلِ فرنسا – على سبيل المثال – يزيدُ عددُ الجوائز الأدبيّة عن ألفٍ وخمسمئة (1500) جائزة، أي أنّه في اليوم الواحد تُمنَحُ خمسُ جوائزَ (5) أدبيّةٍ… وربّما من الغريب أن الجوائز الأكثر شُهْرَةً كالجونكور الفرنسيّة مثلاً لا تَمْنَحُ فائِزها أيَّ قيمةٍ مالية، بل فقط عشرة (10) يورو، وكأسَ نبيذٍ أبيضَ يوميّاً لمدّة عام!، بينما تصلُ جائزةُ الأكاديميّة الفرنسيّة الرسميّة إلى نصف مليون يورو… وفي العالم ما يتجاوز هذهِ القيمة بكثير…
ولقد عَرَفَ المشهد الثقافي السوري عدداً غيرَ قليلٍ من الجوائز الأدبيّة المهمّة قبلَ أن تندِلعَ حَربٌ جهنميّةٌ مجنونةٌ أُريد لها أن تحرقَ الأخَضَر واليابسَ…
حتى إذا استجمعتِ البلادُ أنفاسها عادت فأطلقت على لسانِ رئيسها جائزتي الدولة التشجيعيّةِ والتقديريّة؛ وأسنَدَ تنفيذهما لوزراة الثقافة بمرسومٍ كريم عام 2012، وهاتان الجائزتان كما تعلمون تُمنحانِ على مجُملِ نتاجِ المُبدعِ في الأدب والفن.
ثُمّ قامت وزارةُ الثقافةِ من خلالِ هيئتها العامة السوريّة للكتاب بإعادةِ إطلاقِ جائزتي حَنّا مينا للرواية العربيّة وسامي الدروبي للترجمة عام 2017 بعد أن توقّفتا ما لا يقلُ عن تسع سنوات، لتُحدثَ بعد ذلك جائزتي القصّة القصيرة، واللوحة التشكيليّة الموجهتين للطفل، ولتعزّزَ حضورَ جائزة عمر أبي ريشة للقصيدة العربية، بنقلها من مستوى محافظةٍ واحدةٍ إلى فضاء البلادِ الواسِعِ، وهي جائزةٌ قَدّمها في دوراتها السبع الماضيّة الأستاذ النبيل كنانة الشهابي، وتتابعُ اليوم أسرته الكريمة تقديم الجائزةِ في دروتها الثامنة بعدَ رحيله.
إنّ هذهِ الجوائزَ وغيرَها مما تقدمُهُ وزارة الثقافة السوريّة، وفي أشدِ الأوقاتِ صعوبةً إنما تُمثّلُ مؤشِراً دالاً على حَرَاكٍ ثقافيٍّ يُسِهُمُ أيّما إسهامٍ في خلقِ بيئةٍ ثقافيّةٍ إبداعيّةٍ مُعافاة، فمن شأنِ الجوائز الأدبيّةِ الوطنيّة التي ذكرتُها أن تقدِّمَ أصواتاً جديدةً للساحةِ الأدبيّة، أن تبعثَ الروحَ في كتابٍ أو نصٍ كانَ من شأنِهِ أنّ يظلَّ حبيسَ الأدراج المظلمة والرفوفِ المغطّاةِ بالغبار، أن تطلقَ صوتاً فريداً كان ضائعاً في ازدحامِ الأصواتِ المتشابهة، وأن تُساعِدَ أيضاً وفي المطاف الأخير المبدعَ ماليّاً ولو لبضعةِ أشهرٍ في حياته.
لقد لبّى دعوتنا في هيئةِ الكتاب نخبة من الأساتذةِ الأدباء الأجلّاء لتحكيم الأعمال المقدّمةِ لنيل الجوائز التي ذكرناها؛ وكان رائِدنا ورائِدهم في العمل هو الانحيازُ إلى فنيّاتِ الكتابة، النزوعُ إلى الجمال الأدبي؛ دون أيّ تصوّراتٍ منغلقة أو التزاماتٍ من خارجِ الحقل الفني وبالمقابل دون التقليل من شأنِ البعد الفكري والمعنوي الحاضرِ في العمل.
إنّ مسألة التقييم الأدبي التي تتمُّ في الجوائز هي ذاتها على درجةٍ كبيرةٍ من التعقيدِ والصعوبة وتحتاجُ إلى تضافرِ عاملين مهميّن: الذائقةُ الفنيّةُ العاليةُ، والمعرفةُ العلميّة الرصينة بدقائق هذا الجنس الأدبي أو ذاك..
ولقد تحلّى أعضاءُ لجان التحكيم بهاتين الميزتين، وسيبسطون بين أياديكم الكريمة بَعَدَ قليل نتاجَ عملهم خلالِ الأشهر الماضيّة، ولا سيما تلك المنطلقات التي انطلقوا منها في الحكمِ على الموادِ التي قرؤوها والتي أفضت إلى تحديد الأعمالِ الفائزةِ التي قدّمناها لهم مغفلةً من أسماء أصحابها، ثُمّ أطلعناهم عليها بعد خُلوصِهم إلى النتائج المذكورة، وسأترك لهذهِ اللجان أن تقدّم لكم بنفسها أسماء الفائزين متوجِّهاً بالشكر الجزيل إلى أعضائها، ومباركاً سَلفاً للمبدعين الذين فازوا في هذهِ الدورة…
وأختم بتقديم خالص الشكر للسيد وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد على دِعِمِهِ الدائم، وتشجيعِهِ المستمر…
وللسيدات والسادةِ الإعلاميين على مواكبتهم الحثيثة لاحتفاليّةِ وزارة الثقافة في عيدِ ميلادها الستين…
من جهته بيّن الأستاذ محمود عبد الواحد مستشار السيد وزير الثقافة في تصريح له للصحفيين أن يوم وزارة الثقافة هو عيد لكل الثقافة السورية يُحتفى به في المحافظات السورية جميعها، كما أنه أصبح تقليداً جميلاً يحتفل به بعرض المظاهر الثقافية كافة من المسرح، إلى الفن التشكيلي، والكتب، والموسيقا، والرقص، والسينما، وغير ذلك. وأضاف عبد الواحد: ونحن طبعاً من خلال الاحتفاء بهذه المظاهر الثقافية كلها نريد تكريس فكرة مهمة وهي أن سورية وعلى الرغم من كل ما مرت به من حرب شعواء أرادت تهديم حضارتها وثقافتها، إلا أنها ما زالت قادرة على العطاء، وتقديم أشكال الفن، والحضارة، والثقافة كافة.
بقي أن نشير إلى أن الحفل ضم أيضاً كلمة الأستاذ عبد الكريم ناصيف التي ألقاها باسم لجنة تحكيم جائزة د. سامي الدروبي للترجمة، وكلمة د. صلاح صالح التي ألقاها باسم لجنة تحكيم جائزة حنة مينه للرواية، وكلمة الشاعر صقر عليشي التي ألقاها باسم لجنة تحكيم جائزة عمر أبي ريشة للشعر، وكلمة الأستاذ موفق نادر التي ألقاها باسم لجنة تحكيم جائزة القصة الموجهة للطفل؛ وختم الحفل بتكريم الفائزين بالجوائز، وأعضاء لجان التحكيم.