افتتحت اليوم السيدة الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة فعاليات الندوة الوطنية للترجمة التي تقيمها وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب هذا العام تحت عنوان (ترجمة المصطلح إلى اللغة العربية) في رحاب مكتبة الأسد الوطنية في دمشق، وذلك بحضور د. ثائر زين الدين المدير العام لهيئة الكتاب، ود. مروان محاسني رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق، ود. محمود السيد المدير العام لهيئة الموسوعة العربية، وأ. مالك صقور رئيس اتحاد الكتاب العرب في دمشق، وأ. إياد مرشد المدير العام لمكتبة الأسد الوطنية، وأ. حسام الدين خضور مدير مديرية الترجمة في الهيئة، وعدد من مديري الهيئة، وأعضاء المكتب التنفيذي في اتحاد الكتّاب العرب، إلى جانب جمهرة من المترجمين والمهتمين بالشأن الثقافي، والإعلاميين.
باشرت الندوة أعمال اليوم الأول منها بكلمة ألقاها الأستاذ حسام الدين خضور مدير مديرية الترجمة في الهيئة افتتح بها فعاليات الندوة ورحّب خلالها بالسيدة وزيرة الثقافة والسادة الحضور، وأعرب فيها عن سعادته في أن ندوة الترجمة التي تقيمها الهيئة العامة السورية للكتاب بالتعاون مع المؤسسات الوطنية المعنية والمهتمة بالترجمة واللغة وصناعة الكتاب بمناسبة اليوم العالمي للترجمة غدت معلماً بارزاً من معالم المشهد الثقافي الوطني. ثم دعا السيدة نورا آريسيان لإلقاء كلمة المترجمين السوريين التي تناولت الحديث عما يشهده عالمنا اليوم من ظاهرة وبائية (الكورونا) حصدت أرواح مئات آلاف البشر، وعطّلت قطاعات اقتصادية عدة، وما يشهده أيضاً من عدوان على شعوب مسالمة، كالعدوان الإرهابي الدولي على بلدنا سورية، الذي تشارك فيه وتموّله دولٌ تضرب عرض الحائط بالقوانين والمواثيق الدولية، و العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني كذلك. وأكّدت هذه الكلمة على الدور الإيجابي الذي يمكن للمترجمين أن يقوموا به اعتماداً على المعيار الأخلاقي، بما يسمح لهم ترسيخ قيم الخير والجمال والسلام والعدالة في العالم.
وتطلعت هذه الكلمة في الختام إلى تضامن المترجمين العرب والعالميين مع مترجمي سورية في مواجهة العدوان الإرهابي الدولي القائم على بلدهم، ورفع عقوبات قانون قيصر وغيرها من عقوبات اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضد الشعب العربي في سورية كون هذه العقوبات غير أخلاقية، وغير قانونية تستهدف تجويع الشعب، وإضعاف قدرته على مواجهة العدوان الإرهابي الدولي، إلى جانب قيامها على أسس ظالمة وعدوانية أثرت في مناحي الحياة كافة، كما أنها أثرت سلباً في صناعة الترجمة.
تلا ذلك كلمة الهيئة العامة السورية للكتاب التي ألقاها مديرها العام د. ثائر زين الدين وتحدث فيها عن الأهمية الكبيرة التي تقع على عاتق الترجمة، والمسؤولية المناطة بالمترجمين، إذ قال: “أليست الترجمة – كما عبّر د. جابر عصفور – وسيلة حاسمة في تعميق علاقات التواصل مع العالم المتقدم، وفي توسيع دوائر الحوار التي تؤدي إلى امتلاك مفردات العصر ولغاته، وتجسير الهوة الفاصلة بين المتقدم والمتخلف، والسبيل إلى فتح آفاق جديدة من وعود المستقبل الذي لا حد لإمكاناته، وعلامة الانتساب إلى الحضارة العالمية”. وتابع زين الدين: “بأن الهيئة العامة السورية للكتاب، وانطلاقاً من مثل هذه الحقائق، وغيرها، عملت في السنوات الأخيرة على النهوض بواجبها في حقل الترجمة؛ بانية بالتأكيد على ما أنجزته وزارة الثقافة منذ تأسيسها”. موضحاً أن الهيئة استطاعت ومنذ مطلع عام 2017 أن تطلق المشروع الوطني للترجمة، وأن تُشرك فيه مؤسسات ودور نشر وطنية معنية بهذا المجال، ومضت تكلف أهل الاختصاص وضع خطط سنوية تنفيذية للمشروع؛ وكان رائدها في ذلك جملة مبادئ أساسية منها: ألا تظل الترجمة نشاطاً فردياً عشوائياً، إلى جانب الاهتمام بالترجمة عن مختلف لغات العالم، والانحياز إلى كل ما يؤسس لأفكار التقدم والإنسانية والاعتراف بالآخر، إضافة إلى رفد النشر الورقي بالنشر الإلكتروني، ورفع تعرفة الترجمة التي يتقاضاها المترجم، ومساواة تعويض النشر الإلكتروني بالنشر الورقي.
أعقب ذلك كلمة السيدة وزيرة الثقافة التي تطرقت إلى الحديث عن أهمية الترجمة ودورها في بناء الفكر الثقافي للمجتمعات، إذ أكّدت أن الترجمة ظاهرة سابقة لعملية النهضة الحضارية ومواكبة لها في آن معاً، وعرجت على ذكر المترجمين العرب حين ترجموا المعارف اليونانية، موضحةً أنهم لم يكونوا لها يوماً متلقين سلبيين أو ناظرين حياديين، بل تجلّت ترجمتهم للآثار اليونانية فعلاً حضارياً أنتج امتزاج الفكر اليوناني بالفكر العربي فأزهر تراثاً فكرياً علمياً عربياً شعّ على الإنسانية جمعاء.
وتابعت مشوّح بأن حركة تعريب العلوم ومصطلحاتها التي انطلقت، ولا تزال ناشطة في سورية موطن تعليم التعريب الأول، لم تهدأ منذ بداية القرن الماضي، وأثمرت آلاف المصطلحات لتكون عوناً للدارسين في استيعاب المفاهيم العلمية الحديثة، وأساساً لتطوير معارفهم والارتقاء بمداركهم والانتقال بهم من رتبة المتلقي إلى رتبة المنتج فمرتبة المبدع. وختمت كلامها بالإشارة إلى أن ندوة الترجمة في يومها العالمي أصبحت تقليداً جميلاً دأب فيه المترجمون السوريون على محاولة إيجاد إجابات مفيدة عن أسئلة ما تزال تبحث عن إجابات شافية، من مثل: “لمن نترجم؟ ماذا نترجم؟ كيف نترجم”.
الجلسة الأولى
قُدمت في الجلسة الأولى التي أدارها د. ثائر زين الدين مجموعة أوراق عمل تناولت جملة من الأبحاث التي تهتم بترجمة المصطلح إلى اللغة العربية، وافتتحتها الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة ببحثها الذي يحمل عنوان (ترجمة المصطلح العلمي – مبادئ أساسية) إذ أشارت إلى أن ترجمة المصطلحات الأجنبية بما تدل عليه من معان ومفاهيم دقيقة خاصة هي عادة درج العرب على اتباعها، مشيرةً إلى أنهم سلكوا في عملية الترجمة هذه منهجاً أوجزه العلّامة مصطفى الشهابي في أربع طرق رأى أنهم لم يخرجوا عنها، وهي: تحوير المعنى اللغوي القديم للكلمة العربية وتضمينها المفهوم العلمي الجديد، والاشتقاق، وترجمة كلمات أعجمية بمعانيها، والتعريب. ثم أردفت عبر عرض جملة من الشواهد والأمثلة أن عملية نقل المصطلح الأجنبي بالترجمة الدقيقة يقتضي تحري اللفظ العربي الأكثر توافقاً مع المعادل التصوري للمصطلح الأصل، مبينةً أن الأفضل هو مقابلة كل مصطلح أجنبي بكلمة واحدة كلما ما أمكن إلى ذلك سبيلاً.
بدوره عرض د. راتب سكر في مداخلته موضوع (مصطلح الأدب المقارن: نشأته الفرنسية وترجمته العربية)، ذاكراً أن ثمة أسباباً كثيرة ومتنوعة استدعت الخلاف المستمر حول هذا المصطلح، ومن أبرزها تعقد الحقل المعرفي الذي وضع له، واتساعه وتطوره المستمر. وموضحاً أن مصطلح الأدب المقارن ظهر في اللغة العربية في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين، وأن نقد الباحثين لمسيرة هذا الأدب عربياً حتى عام 1953 لم يقتصر على التشكيك بالدقة العلمية للمصطلح بل تجاوز ذلك إلى اتهامه بافتقاد الفهم المناسب لغاياته المعرفية.
من جانبه بحث أ. شاهر نصر في مداخلته (أهمية إغناء اللغة العربية بالمصطلحات، ودور مؤسسات اللغة والترجمة في توحيدها) وبيّن أن عملية انتقال الألفاظ من لغة إلى أخرى هي مسألة عالمية لا تدل على قصور اللغات ولكن تدل على تطورها، منوهاً في حديثه إلى جملة من الأمور التي ينبغي مراعاتها كي تؤتي الترجمة ثمارها، ومنها: تكامل عملية الترجمة مع عملية البحث العلمي والفكري، وبناء الدولة الحديثة مع ما ينسجم ولغة العصر، إلى جانب ترجمة نظريات العلوم والمعرفة، وتعميم عملية الترجمة المؤسساتية الجماعية، وتعزيز مبدأ التآلف في عمل المترجمين، والاستفادة من شبكة الإنترنت.
وختمت د. زبيدة القاضي فعاليات اليوم الأول من أيام ندوة الترجمة بتناولها موضوعة (ترجمة المصطلح وعلاقته بتلقي الخطاب النقدي) حيث عرضت في ورقتها إشكالية ترجمة المصطلح النقدي، وقسّمت بحثها إلى ثلاثة أقسام تناول الأول منها إشكالية ترجمة المصطلح النقدي وعلاقته بالمنهج ودوره في تلقي الخطاب النقدي، في حين تصدت في القسم الثاني للحديث عن نماذج لتجارب نقاد في استخدام المصطلح النقدي وتوظيفه في تجاربهم النقدية، واستعرضت في القسم الثالث والأخير من هذا المبحث تجربتها الخاصة في ترجمة المصطلح النقدي.
وداخل في الختام عدد من السادة الباحثين والحضور على موضوعات الجلسة، ومنهم: د. محمود السيد، ود. إنصاف حمد…
ومن الجدير ذكره أن هذه الندوة يرافقها معرض للكتب المترجمة من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب.