افتتاح المتحف الوطني بدمشق بعد اغلاق دام لعدة سنوات
افتتح الاستاذ محمد الأحمد وزير الثقافة صباح اليوم الأحد ٢٨/١٠/٢٠١٨ المتحف الوطني بدمشق بعد اغلاق دام لعدة سنوات والذي يضم مايقارب ٥٠٠ قطعة أثرية.
وفي كلمته خلال الافتتاح تحدث السيد الوزير:
يشرفني ويسعدني أن أرحب بكم وبالضيوف الأعزاء، ومنهم علماء الآثار الذين جاؤوا ليشاركونا إعادة افتتاح متحفنا الوطني، معبرين بذلك عن مشاعرهم النبيلة تجاه سورية، وتعاطفهم معها، لما لحق بها وبأبنائها وتراثها الثقافي من ظلم وحيف وعدوان.
المتاحف هي مرآة الشعوب التي ترى فيها وجهها الحقيقي، وتتعرف من خلالها على جذورها الحضارية، ومدى مساهمتها في صياغة قصة الحضارة الانسانية، وبناء مداميك صروحها الشامخة.
ويعد متحف دمشق الوطني أحد أهم متاحف العالم، لما يحتويه من مقتنيات فريدة ونادرة ومميزة، تمثل عصارة جهد وفكر السوريين عبر مختلف العصور، وتوثق صفحات مجدهم وانتصاراتهم وتضحياتهم في درب الحضارة الطويل، والتي تشكل شاهدا حياً على حيوية وقدرة هذا الشعب على العطاء والبقاء والتشبث بالأرض وإعلاء شأن الحضارة.
وتابع السيد الوزير: توجد آلاف المواقع الأثرية في كل أنحاء العالم، لكن ليس لها الصبغة العالمية التي تتصف بها المواقع الأثرية السورية الناجمة عن الموقع الاستراتيجي الذي حبا به الله هذا البلد، وهذا ما جعل منه قبلة علماء الآثار من كل أنحاء العالم، قبل بدء الحرب الظالمة التي شنت على بلدنا الحبيب، فبلغ عدد البعثات الأثرية التي كانت تعمل في ربوع القطر نحو 140 بعثة، بينها مئة بعثة أجنبية، قدّمت أهم الاكتشافات المادية والمعنوية والروحية، والتي أثبتت علو شأن الثقافة والإبداع السوري عبر مختلف الحقب. وقد أقرّ معظم العلماء الذين عملوا في هذه المواقع أن سورية كانت من أهم المناطق التي أضاءت الطريق، وأرست الأسس التي سارت عليها البشرية، لتصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار.
ولهذا السبب كان التراث الثقافي السوري هدفاً دائماً للإرهابيين على اختلاف مسمياتهم وألوانهم، وبكل المناطق التي احتلوها، فقاموا بهمجيتهم المعهودة بالفتك بالمواقع الأثرية فخربوا التلال ونهبوا ما تحتويه من كنوز ولقى، ودمروا الأوابد والصروح الأثرية في تدمر وحلب ودير الزور والرقة وإدلب والمدن المنسية ودرعا، وكل المناطق التي وصلت إليها أياديهم القذرة. هذا علاوة على سرقة المتاحف وبيع مقتنياتها، كما حصل في متاحف إدلب والرقة وبصرى الشام وقلعة جعبر وغيرها.
وأردف السيد الوزير: إن إعادة افتتاح متحف دمشق الوطني، ومشاركتكم فيه من خلال الندوة المرافقة، لهو رسالة انتصار للثقافة والإبداع والحق على الجهل والتخلف والهمجية والباطل.
وأؤكد لكم، أن هذا الافتتاح ما كان ليحصل لولا انتصارات جيشنا الباسل، والتضحيات الكبيرة التي قدمها في سبيل الذود عن حمى الوطن، ضد كل قوى الإرهاب وداعميه، والذي جاءنا من أكثر من ثمانين دولة ليقتل شعبنا وينهب آثارنا ويدمر ثقافتنا، ويفصلنا عن جذورنا الحضارية المتأصلة في هذه الأرض.
في الوقت الذي دمر فيه الإرهابيون وبدعم من أسيادهم في الخارج، مئات الأبنية التراثية ونهبوا آلاف التلال الأثرية، استرد جيشنا، بوحداته المختلفة مع القوى الرديفة، أكثر من تسعة آلاف قطعة أثرية منذ بدء الحرب وحتى الآن، صادرها من المواقع التي جرى تحريرها ودحر الإرهاب فيها من مختلف المناطق. وقد تم تنظيم معرض في دار الأسد لعينة من هذه اللقى شملت نحو خمسمئة قطعة أثرية مستعادة تعود لمختلف العصور التاريخية تبرهن على عقائدية وأصالة هذا الجيش الذي حمى الأرض والعرض والثقافة الكرامة، فتحية لجنودنا الأبرار الذين ذادوا عن حياض الوطن، وتحية إلى القوى الحليفة والرديفة وكل المواطنين الشرفاء الذين شاركوا هؤلاء الجنود الأبطال في حماية بلدنا وشعبنا وإرثنا الحضاري.
ستبقى سورية كما عهدتموها وفية للقيم الانسانية، مشعلاً للحق والحضارة وستبقى الحديقة الغناء لعلماء الآثار الشرفاء، ونعلم أن الكثير منهم أراد المجيء ليكون بيننا في هذه المناسبة، ولكنه لم يستطع لأسباب نفهمها، لكننا نعلم حقيقة مشاعره، وما يحمله في قلبه من وفاء وصداقة وتقدير لسورية وشعبها وتراثها. ونعدكم أنكم قريبا سيكون بوسعكم استقدام بعثاتكم وأنتم مرفوعو الرأس، لمواصلة مشاريعكم العلمية في التنقيب والترميم والتحري والبحث الأثري.
واسمحوا لي في الختام أن أتقدم بأسمى آيات الامتنان والعرفان لقائد جيشنا ودولتنا، وربان سفينتنا، السيد الرئيس بشار الأسد صانع انتصارنا وحامي أرضنا. لقد كان السيد الرئيس، خلال كل سنوات الحرب الشرسة التي تشن على بلدنا، وفي أصعب اللحظات والمنعطفات، لا يني يسأل عن كل شاردة وواردة تتعلق بآثارنا السورية، ويصغي إلى الأجوبة التي تقدم له بكل اهتمام، ويعطي توجيهاته الثمينة.
وختم وزير الثقافة: سيدي الرئيس، شكرا لك من القلب على كل ما قدمته وتقدمه من أجل الحفاظ على تراث بلدنا، وبوركت خطاك وسدد الله سعيك.
تحية لكم ولكل الحضور الكريم، وأتمنى لأعمال ندوتكم النجاح والتوفيق، والسلام عليكم.
بدوره الدكتور محمود حمود المدير العام للآثار والمتاحف تحدث في كلمة:
مضي السنوات العجاف السبع على الإغلاق وهو الإجراء الذي اضطرت وزارة الثقافة- مديرية الآثار لاتخاذه حفاظاً على مقتنيات المتاحف من
كل أشكال التهديد الذي كان يحيق بها من قبل العصابات الارهابية التي قتلت البشر وحرقت الشجر وحطمت الحجر ونهبت الأثر.
لقد تعرض التراث الثقافي السوري على ايدي العصابات الارهابية لشتى أنواع التنكيل والاستباحة والتي لم يعرفها تراث أي شعب في العالم، فعلاوة على نهب محتويات عدد من المتاحف ومنها إدلب والرقة وقلعة جعبر وحمص وبصرى الشام وتدمر، فقد تم تدمير عشرات الأبنية المسجلة على قائمة التراث الوطني، كما في تدمر وحلب ودرعا وإدلب ودير الزور والرقة. كما فتكوا بالتلال الأثرية في كل مكان وصلوا إليه
فتم حفرها بشكل عشوائي وتخريب طبقاتها الأثرية بحثا عن الكنوز واللقى الثمينة لتهرب ويحط رحالها في النهاية مع القطع المتحفية
المنهوبة، فى الأسواق والمزادات العلنية في كل أنحاء العالم لتباع أمام أعين السلطات دون الاكتراث بقرارين دوليين صدرا عن مجلس الامن الدولي ويمنعا المتاجرة في الآثار السورية والعراقية.
لقد استطاع جيشنا وأصدقاؤه المخلصون والأوفياء إنجاز أنبل الأعمال والتي تجلت بحماية كل المواقع والتلال والأبنية الأثرية التي ظلت تحت سلطة الدولة، وكذلك في استعادة آلاف القطع الأثرية التي عثر عليها في مختلف المناطق التي دخلها بعد طرد الإرهابيين منها والتي بلغت حتى الآن نحو تسعة الاف قطعة.
وتابع حمود ولهذا فإن إعادة افتتاح متحفنا الوطني هو رسالة تحدي وراية انتصار ثقافي نريد من خلالها أن نعيد بعضاً من نسغ الحياة والألق الذي طالمت تنعمت به دمشق عاصمة هذا الوطن الحبيب الذي كابد شعبه الأبي وبذل الغالي والنفيس كي تبقى رايته خفاقة، وكلمته هي العليا على مدى الدهر.
و بالرغم من كل ما فقدناه من تراثنا الوطني فأرضنا التي أعطيناها أرواح فلزات الأكباد واحتضنت أجساد الأحباب ورويت بدمائهم،
ستفاجئكم بمزيد من العطاء، فأجمل الاكتشافات تلك التي لم تأتي بعد وأجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد وأجمل الانتصارات تلك التي ستتحقق فيما بعد.
تحية للزملاء الذين عملوا بدأب وبذلوا جهودا مضاعفة خلال الفترة الماضية في سبيل إعادة تأهيل هذا المتحف وتنظيم المعرض في
دار الأسد للثقافة والفنون. تحية إلى كل من تعاون معنا في هذا النشاط ولاسيما وزارة السياحة وبرنامج الأمم المتحة الإنمائي في
سورية.
ووجه مدير عام الآثار تحية إلى جيشنا الباسل بوحداته المختلفة الذي استطاع حماية تراثنا الوطني وتمكن من إنقاذ آلاف القطع الأثرية. تحية خاصة إلى وزارة الثقافة وعلى رأسها السيد الوزير الأستاذ محمد الأحمد الذي وجه بكل هذه الأنشطة وقدم كل أشكال الدعم الممكن حتى نتمكن
من إنجازها وإعادة الألق إلى متحفنا الوطني.
وباسمكم جميعاً نحيي من يرعى ويتابع بشكل دائم وضع الآثار ويقدم كل أشكال الدعم الممكن لها. . تحية إلى من يواجه أشرار
الكون على هذه الأرض.. الرجل الذي لم يثنه هول الحرب وشدتها.
ثم عرض فيلم إنقاذ التراث الثقافي السوري للأجيال القادمة.
هذا ويرافق الافتتاح مؤتمر دولي بعنوان واقع المتاحف السورية ودورها في تعزيز الانتماء الوطني وتستمر لغاية يوم الاثنين ٢٩/١٠/٢٠١٨ وذلك في القاعة الشامية المتحف الوطني