برعاية السيد وزير الثقافة الاستاذ محمد الأحمد، واحتفاء بيوم الثقافة السورية “الثقافة .. ذاكرة وطن”، أقيمت ندوة فكرية في مكتبة الأسد الوطنية حملت عنوان “إشكالية العلاقة بين الحداثة والتحديث” على مدار يومين تخللها الحديث عن جوانب الحداثة وعلاقتها بالثقافة والفكر والأدب والفن.
وانقسم اليوم الثاني من الندوة إلى مجموعة من المحاور التي تناولت الحداثة والأدب، وتحدث فيها د.أحمد علي محمد عن الحداثة في الشعر العربي المعاصر لافتاً إلى دور شعراء مجلة شعر اللبنانية في حركة الحداثة الشعرية، وما تناوله التحديث الشعري في مجال التركيب الشعري، واستعداد المجتمعات للدخول في عصر الحداثة ومقاطعتها لكل ماهو موروث بغية تأسيس معرفة عصرية بما في ذلك الشعر، كما أشار إلى قصيدة النثر كأنموذج في الصيغة الحدثية الوحيدة بهذا المجال.
بدوره د.نذير جعفر تحدث عن الحداثة في الرواية السورية بالتطرق إلى تمييز “باختين” بين الملحمة والرواية، وانفتاح الأخيرة على الواقع المتغير وشروطه ورهاناته، واصفاً الحداثة بالثيمة البنيوية في الجنس الروائي، كما تحدث عن ارتباط الرواية بحركة الحداثة، وأبرز مظاهرها لدى الجيل الجديد من كتاب الرواية السورية.
أ.حسن م. يوسف تناول في محوره موضوع الحداثة والقصة القصيرة، واستهل حديثه بذكر صعوبة كتابتها على عكس ما يظنه البعض، كما ركز في محوره على سرد حكايته مع الكتابة وهذا النوع من القصة، كأنموذج عنها، وقال: يرجع بعض الباحثين الإرهاصات الأولى للحداثة إلى القرن السادس عشر عقب سقوط القسطنطينية والأندلس واكتشاف أمريكا وبروز حركة الإصلاح البروتستاني، ويرى باحثون آخرون إلى أن الحداثة الأدبية ترتبط بالثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا في أواخر القرن 18، ويعتقد هؤلاء أن فن القصة القصيرة هو نوع أدبي جديد من معطيات الحداثة الأدبية الأوروبية التي لا يتجاوز عمرها القرنين، أما نحن فنرى فن القصة القصيرة من أقدم رفاق الإنسان على سطح الأرض فقد ولدت بولادة المجتمع البشري وتطوره وهي مستمرة باستمراره، كما أجاب في الختام على أجوبة بعض من حضور الندوة حول علاقة الجيل الشاب بالحداثة وفنون القصة القصيرة.
وبالانتقال إلى المحور الثاني من الندوة والذي تطرق إلى علاقة الحداثة بالفن، نوه أ.سعد القاسم في حديثه عن علاقتها بالفن التشكيلي إلى دور الفنان أدهم اسماعيل خلال الخمسينيات في الوصول إلى فن معاصر له هويته العربية الخاصة، وأشار أيضاً إلى دور الراحل الفنان محمود حماد في صنع لوحة تجريدية معاصرة باستخدام الخط العربي كعنصر تشكيلي، بالإضافة إلى الاتجاه التعبيري للفنان فاتح المدرس، والتكعيبي للفنان ممدوح قشلان، والانطباعي للفنان نصير شورى.
أما عن الحداثة في المسرح وتجاوز حدود الشكل قالت د.ميسون علي أن الحداثة هي تجاوز للماضي، وسعي نحو المستقبل، وتجاوز الحداثة هو عملية تجاوز مستمر للماضي، وأشارت إلى تعارض الحداثة مع الأشكال والدراما بالمعنى التقليدي للكلمة، واتسمت بالابتكار والتجريب، ولفتت إلى ارتباط الحداثة بالمسرح بتطور الكتابة والأعراف المسرحية، وفن الإخراج وتطور التقنيات المسرحية، والتغيير الحاصل في تركيبة الجمهور وتنوعه، لافتاً إلى مصطلح ما بعد الحداثة الذي طرحه الفيلسوف الإيطالي “جيانو فاتيمو” والذي دفع لمسرحيين إلى التحرر من أوهام الماضي، والبحث عن حداثة جديدة متحررة.
وناقش أ.عمار أحمد حامد مفهوم الحداثة في السينما، والتغيير الهائل الذي أحدثته الصورة السينمائية في أسلوب القراءة البصرية، والسينما والمتفرج كيف استطاعت السينما ان تدخل إلى عقل المشاهد وتركيبته الفكرية والاجتماعية، وعن التطور التكنولوجي والصورة السينمائية، والتحول الذي طرأ على السينما بعد الحرب العالمية الثانية وظهور السينما الحديثة وسرعة التطور التقني في السينما بشكل متسارع لم ينافسها فيه أي نوع من أنواع الفنون الأخرى.
أما أ.رامي درويش فقد تحدث عن الحداثة في الموسيقا فقال: هي مفهوم نسبي يتغير من عصر إلى آخر تماشياً مع التطور الثقافي والاجتماعي للإنسان، فهي تعبير عن طروحات التطور المستقبلي انطلاقاً من نقد ما هو قائم وفق طروحات وأفكار بديلة متعددة يصطفي الزمان منها ماهو مناسب بناء على الذائقة الجماهيرية والثقافة الاجتماعية، إذ دائماً ما تلعب الحداثة دور الطاقة المحركة للإعلان عن بدء الانطلاق إلى أساليب وصيغ وخيارات جديدة مستحدثة تتناسب طرداً مع حاجات تطور المجتمع.